- إن الناس الآن في عجلة من أمرهم، يتحركون هنا و هناك، و يتخبطون و يضجون و يصرخون، و يتزاحمون و يتصادمون، و يحثون الخطى و يغذون السير، بدعوى العمل لسعادة الإنسانية!
إن مفكرا قد ندب حظ البشر فقال: "أصبحت الإنسانية مسرفة في الجلبة و الضوضاء، مفرطة في الصناعة، على حطام الهدوء النفسي و الغبطة الروحية". فأجابه مفكر آخر يطوف هنا و هناك و يشيح بوجهه عن الأول منتصرا متعاليا: "ليكن، و لكن ضجة العربات التي تحمل الخبز للبشر الجياع قد تكون أفضل من الهدوء النفسي و الغبطة الروحية".
أما أنا.. فإنني لا أؤمن بالعربات التي تحمل الخبز للبشرية! لأن هذه العربات، إن لم تقدها فكرة أخلاقية روحية، يمكنها ببرود و هدوء أن تحرم من حق الخبز الذي تنقله جزءا كبيرا من النوع الإنساني. و قد رأينا هذا فعلا..
إنه ليكفي أن تجرح كبرياء أي واحد من محبي البشر هؤلاء الذين لا يحصى عددهم، حتى يكون مستعدا لأن يحرق على الفور أركان الأرض الأربعة إرضاء لحقده الصغير! ..
على أنني يجب أن أضيف، حتى أكون منصفا غير متحيز، إن كل واحد منا، و أنا في الطليعة، مستعد لأن يفعل هذا، فلعلني أكون أول من يحمل حزم الحطب لإضرام النار ، ثم يولي هاربا.
"دوستويفسكي" "الأبله٢".